سليمان ملكًا على الجن
لقد آتى الله- عزّ وجلّ- سيدنا سليمان -عليه السلام -المُلك مع النبوّة، فمَلَكَ الإنس والجنّ والطير والشياطين والريح، وذلك بعد دعائه عليه السلام، {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي ۖ إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ}،[١][٢] وقد سُخِّر الجنّ لسليمان -عليه السلام- فكان يراهم ويخاطبهم، ويحكم بينهم بالعدل، إذ كان يجازي المحسن منهم على إحسانه، ويعاقب المسيئ على إساءته، وكان يعاقب كُلّ من قصّر في عمله أو اعتدى أو تمرّد على أمره بأن يُكبّله ويحبسه بالأغلال,[٣] وذُكر أنّ الله- عزّ وجلّ- وكّل مَلَكًا بيده سوطٌ من نار، فمن عصى سليمان فيما أمره ضربه بالسوط فأحرقه.[٤]
بماذا كان يستخدم سيدنا سليمان الجن؟
لقد استخدم سيدنا سليمان الجنّ في أمورٍ كثيرة، منها بناء المساجد والقصور، كما كانوا ينحِتون له التماثيل على شكل النسور والعقبان بالقرب من كرسيه وتحت سرير المُلكِ، وذلك ليهابها كلّ من اقترب من مجلسه ودنا منه، وكانوا ينحِتونها على صور الأنبياء والملائكة لكي يرى الناس كيف كانت عبادتهم فيقتدوا بهم ويتشبّهوا بحالهم، وهذه التماثيل كانت تُصنع إمّا من الرخام أو من النحاس، ولم تكن محرّمة في ذلك الزمان.[٥]
كما أنّ الجنّ كانوا يصنعون جِفان، وهي القِصاع العظيمة كأحواض الإبل، حيث كان يجتمع عليها ألف من الرجال فيأكلون منها، واستخدمهم عليه السلام بصناعة القُدور الراسية الكبيرة، فهي كالجبال ثابتة في مكانها لا تتحرك،[٥] وقد أمر سيدنا سليمان -عليه السلام- من كان غواصًّا من الجنّ أن يدخلوا في البحار فيجمعوا اللآلىء، والمجوهرات والأشياء النفيسة التي لا توجد في مكان آخر غيرها.[٦]
موت سيدنا سليمان
كيف استدلّ الجن على موت سيدنا سليمان؟ إنّ وفاة سيدنا سليمان - عليه السلام- كانت غربية مثل حياته، إذ قال تعالى: {فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَىٰ مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ ۖ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ}،[٧] وقال المفسرون: لم يعلم الجن أو غيرهم بوفاته إلاّ بعد سنة، وسبب ذلك أنّه كان متكئًا على مِنْسأته؛ وهي عصًا له، فبقي على حاله متكئًا حتّى أكلت الأرضة طرف عصاه، فاختّل توازنُه فسقط على الأرض، فعلموا بوفاته، وأقبلوا عليه فغسلوه ودفنوه.[٨]
العبر المستفادة من قصة سيدنا سليمان مع الجن
ما الحكمة من إخفاء موت سيدنا سليمان عن الجن؟
إنّ الجن لا يعلمون الغيب كما يدّعون هم ومن يستعين بهم، وذلك لأنّهم لو كانوا يعلمونه لما استمروا في خدمتهم للنبي سليمان وهو ميّت.[٨] إنّ تسخير الجن للنبي سليمان كان سببًا في نهضة المجتمع آنذاك، حيث كانوا يعملون أعمال نافعة وبنوا البلاد وتمتّع بنو إسرائيل بنتائج عمل الجن دون أن يعملوا بأنفسهم أو يلحقهم أذى.[٩] إنّ تعامل النبي سليمان مع الجن يجري وفق منهج تربوي وأسلوب إداري نافع، وهو معاقبة المسيء ومكافأة المُحسن، فترسيخ هذا المبدأ يُشجّع على إتقان العمل، وينهى عن التقاعس والكسل.[٩]
تعليقات
إرسال تعليق