كان "عابد" يمشي في الطريق بثقة مفرطة .. ولم لا ؟؟ وهو في طريقه ليصبح من أصحاب الملايين .
بدأ الأمر معه بالصدفة البحتة .... عندما همس في أذنه أحد أصدقائه ... بأن لديه شيئا ثمينا يهم بعض السائحين العرب ... الذين تربطه بهم علاقات قوية في الفندق ذو الأربعة نجوم الذي يعمل به بمدينة أسوان .. وقال له أن عمولته في هذه المسألة سوف تصل لعدة ملايين من الجنيهات ..
وصل إلى ال...كافيتيريا التي اتفقا على المقابلة فيها .. وجد صديقه قد سبقه إلى هناك مما أعطاه الإحساس بأن هذا الصديق متلهف على إنهاء هذا الأمر ..
في البداية .. لم يصرح له الصديق بطبيعة ذلك الشيء الثمين .. قال له :
" لا أستطيع أن أخبرك عن هذا الشيء .. لكني أريدك لأن تبحث عن شخص تحس أن لديه أموالا طائلة يمكن أن يدفعها لشرائه . "
رد عليه قائلا :
" وكيف أبحث عن مشتر لشيء أنا نفسي لا أعرف ما هو ؟ لا بد أن تخبرني عن طبيعة ما معك .... هل معك قطعة أثرية من أيام الفراعنة وتريد لها مشتر ؟؟ "
وبعد إلحاح كبير منه ومحاولة إقناع الصديق بأنه لن يستطيع مساعدته ما لم يصارحه .. قالها له بانفعال شديد .. :
" زئبق أحمر .. معي خمسة جرامات كاملة من الزئبق الأحمر .. أعطاها لي صديق لا يود أن يعرفه أحد لأبيعها له واقتسم ثمنها معه "
لم يفهم سر انفعاله الشديد .. لم يفهم أصلا ما هو الزئبق الأحمر ولا ما هى فائدته لأي شخص خاصة السائحين العرب ..
قال له :
" ومن أين أتى هذا الصديق بهذا الزئبق .. "
رد قائلا :
" لقد وجده عندما كان ينقب أسفل منزله عن مقبرة أثرية .. وجدها بداخل المومياء التي كانت في المقبرة . "
سأل صديقه :
" وما هو الزئبق الأحمر ؟ "
نظر له صديقه بحذر وشك .. وقال له :
" هل أنت جاد في سؤالك هذا .. أم أنك تريد نسبة أكبر من النسبة المتعارف عليها ؟؟؟ "
أجاب :
" لا ... أنا جاد في هذا السؤال .. ما هو الزئبق الأحمر ؟ لقد سمعت عنه وقرأت في شبكة الانترنت على هذه المادة . أليست هى المادة التي سمعنا عنها في الأفلام ... والتي يسعى وراءها العجائز من الرجال لتعيد لهم قوتهم وشبابهم الضائع .
وما أهميته للناس .. وقد اخترع لنا العلم عشرات الأدوية التي تعيد الشباب والرجولة ؟ أم أن للأمر علاقة بصناعة القنبلة النووية مثلا ؟ لو كان كذلك فإني أشك أن خمسة جرامات ستكفي لصنع قنبلة من أي حجم .. "
وأخذ يضحك من الأمر .. لكنه فوجىء بتجهم صديقه بطريقة تدل على جدية الموضوع ..
بدأ الأمر يتضح شيئا فشيئا مع توضيحات صديقه ... اكتشف أنه لم يكن يعيش في هذا العالم الغامض المليء بالمتناقضات .. والذي كان على وشك دخوله من أوسع أبوابه .
قال صديقه :
" الزئبق الأحمر هو مادة لا علاقة لها بكل ما تقول .. إنها ماده أثمن ملايين المرات من ذلك .. إن الجرام الواحد منها يباع بمليون دولار ... ؟ "
رد بذهول :
" ماذا ؟ الجرام بمليون دولار .. لماذا ؟ "
رد الصديق :
" إن ما سأقوله لك الآن شيء في غاية السرية .. لا يعرفه إلا عدد قليل من الناس في عصرنا الحالي .. وأهميته ترجع إلى أن كل دولار سيدفع في سبيل شراء هذه المادة سيعود إلى المشتري أضعافا مضاعفة خلال فترة وجيزة .. "
عندما لمح الصديق علامات الحيرة على وجهه قال له :
" أنت تعرف أن قدماء المصريين كانوا يحنطون موتاهم ويدفنونهم .... ويدفنون معهم كل ما يتعلق بهم من أموال وأوان وأشياء تساعدهم على الحياة في العالم الآخر .. "
قال :
" هذه حقيقة معروفة لا يوجد فيها شيء جديد "
قال الصديق :
" نعم ... ولكن كان القدماء يدفنون أيضا مع الأغنياء والملوك أواني ذهبية وكنوز لا تقدر بالمال .. كيف تتوقع أنهم كانوا يحرسون تلك المقابر التي أقاموها لتعيش آلاف السنين .. ؟ "
رد قائلا :
" لا أعرف .. ربما كانوا يضعون عليها الحراس جيلا بعد جيل "
قال الصديق :
لا ... لقد كانوا يضعون عليها حراسة أشد بكثير من حراسة البشر !!! كانوا يضعون عليها حراسة من الجن ... أنت تعرف أن القدماء المصريين كانوا بارعين في التنجيم والسحر ... وكانت لديهم معلومات لم يصل إليها البشر حتى هذه اللحظة ... ومن ضمن هذه المعلومات ... أنهم كانوا يعرفون كيف يسخرون الجن لفعل أشياء لا يمكن أن يقوم بها بشر .. "
سكت الصديق قليلا ليرى رد فعل كلماته على صديقه .. ثم أكمل حديثه قائلا :
" أنت تعرف أن الجن يعمر لآلاف السنين .. وأن لديه المقدرة على الاختفاء عن عيون البشر ... ولديه المقدرة على التجسد في أي شكل .... فإذا تم استخدامه بواسطة تعويذة لحراسة مكان ما فإنه يستطيع أن يحمي هذا المكان ولا يسمح لأحد بالاقتراب منه مهما كان ... إلا من يستطيع عكس تعويذة السحر التي غالبا ما كان يضعها كبير كهنة المعبد الذي يقوم بتحنيط الجثة .. ولكن هل تعرف كيف كان يقوم الكاهن بعمل تعويذة لتسخير الجن لحراسة المقبرة تستمر آلاف السنين ولا يستطيع أحد أن يتغلب عليها بسهولة ؟ "
نظر إليه بشغف وقال :
" لا .. لا أعرف عن هذا الأمر شيئا . "
رد الصديق :
" لقد كان الكاهن - والذي لا بد أن يكون متمكنا جدا في هذا الأمر ؛ حتى لا يضر نفسه ومن حوله - كان يقوم بوسيلة ما بأسر أحد أفراد الجن .. ثم يقوم بحبسه داخل بعض جرامات ضئيلة من الزئبق الأحمر ... ويضعه داخل زجاجة صغيرة لا تلفت النظر ... موضوعة بعناية داخل طيات لفائف الكتاب التي تلف بها الجثة المحنطة .. أو داخل تجويف فم الجثة وكان ذلك يكلف أهل الميت أموالا طائلة ... لهذا لم تكن تلك الطريقة تستخدم مع كل الموتى .. فقط من يملكون المال الكافي لذلك .. وهذا هو سر ندرة مادة الزئبق الأحمر .. لأنها لم تكن موجودة في كل مقابر الفراعنة .. بل فقط في مقابر الصفوة من الذين يملكون المال .. لماذا كانوا في رأيك ينتظرون أربعين يوما على الميت ما بين الوفاة والدفن .. ؟ "
قال بثقة زائفة :
" لأن هذه هى المدة المطلوبة لتحضير الميت وتكفينه بطريقه مناسبة للاحتفاظ به سليما أطول مدة ممكنة .. وهكذا وصلتنا مومياوات عمرها أربعة آلاف عام "
قال الصديق :
" لا .. ليس الأمر كذلك .. بل لأن هذه هى المدة التي يحتاجها الكاهن حتى يقوم بعمل تعويذاته لاستدعاء الجن وأسره داخل تلك الزجاجة الموجود بها الزئبق الأحمر .. "
سكت الصديق فترة من الوقت حتى يرى رد الفعل على وجه صديقه ثم قال :
" هل تعرف فائدة أسر هذا الفرد من الجن ووضعه داخل المقبرة ؟ "
رد وهو يحس بأنه لا يعلم شيئا على الإطلاق :
" لا .. ما هى الفائدة ؟ "
أجاب الصديق :
" الفائدة .. أن باقي أفراد أسرة الجن يقومون بحراسة أسيرهم إلى الأبد في تلك الزجاجة الصغيرة ... ومعها كل شيء داخل المقبرة ، بما في ذلك الكنوز والجثة وكل ما تحتويه المقبرة ؟ "
" هل سمعت يوما عن لعنة الفراعنة ؟ "
رد قائلا :
" بالطبع سمعت عنها ولكن معظم علماء الآثار كذبوها "
قال الصديق :
" كذبوها لأنها لم تكن موجودة في كل المقابر التي فتحوها .. كانت موجودة فقط في مقابر الملوك والعظماء مثل مقبرة توت عنخ آمون .. إن لعنة الفراعنة .. هى وجود مئات من أفراد الجن تحرس المقبرة .. ينتظرون ليعرفوا إذا ما كان مقتحمي المقبرة يستطيعون تحرير أسيرهم بتعويذة مضادة أم لا ، فإذا لم يستطيعوا ذلك قام أحد أفراد الجن بتعقب كل فرد دخل المقبرة حتى لو ذهب إلى بلاده في آخر العالم .. ومن هنا كانت الظروف الغريبة التي توفي فيها كل من دخل مقبرة توت عنخ آمون ، بما في ذلك الكلب الخاص بهوارد كارتر مكتشف المقبرة .. الجميع مات في ظروف غامضة وفي توقيتات متقاربة .. وبدون أي تفسير .. أتعلم لماذا ؟ لأن الجن تعقبهم إلى حيث استطاع القضاء عليهم بعد أن تأكد أنهم لن يستطيعوا إعادة أسيرهم ولا فك أسره .. وبعد أن تأكدوا من أنهم لا يعرفون أي تعويذة مضادة لتعويذة الكاهن الذي قام بأسر أحد أفراد أسرتهم .. "
عقدت الدهشة لسانه .. ولأول مرة بدأعقله يعمل ويفكر في جدية هذا الأمر .. إن الكلام الذي يسمعه كلام منطقي من الممكن تصديقه .. ولم لا الفراعنة قد توصلوا إلى أسرار لم يتوصل إليها علماء القرن الواحد والعشرين بعد .. ربما لأن الفراعنة كانوا يتعاملون مع عالم آخر ، غير العالم المادي الذي يتعامل معه علماء القرن الحالي ... لم نسمع قط عن عالم يتحدث عن قدرة الجن على عمل أي شيء ، بل إن العلم الحديث يرفض تصديق وجود أشياء غير منطورة قادرة على التفكير والحركة ولها حياة مثلنا .. قال لصديقه :
" ولكن الزئبق الأحمر معروف عالميا ... وهو مادة مخلقة حديثة تستخدم في صناعة القنبلة النووية .. "
أخذ يفكر في كل الأبحاث التي قرأ عنها في الكتب وفي الانترنت .. وتتحدث جميعها عن مادة الزئبق الأحمر التي تستخدم في صناعة القنابل النووية .
انتبه على صوت صديقه وهو يستأنف حديثه ويقول له :
" لا هذا كلام غير دقيق .. إن الزئبق الأحمر الذي نتحدث عنه يختلف تماما عن كل المواد الموجدة في العالم سواء طبيعية أو صناعية .. تختلف اختلافا وحيدا جوهريا لا يمكن لأحد غير خبير بهذا الأمر أن يعرفه .. "
قال بلهفة :
" وما هو هذا الاختلاف ؟ "
رد الصديق :
" ببساطة الزئبق الأحمر سائل حي ... "
قال بدهشة كبيرة :
" ماذا ؟ ما معنى سائل حي .. ؟ "
رد الصديق :
" هناك اختبار يقوم به من يعرف طبيعة هذه المادة .. ليعرف هل الزئبق الموجود بالزجاجة أصلي أم مخلق .. ويمكن للإنسان العادي أن يرى الزئبق ينبض إذا نظر إلى الزجاجة بتركيز في ضوء القمر ليلة تمامه "
أحس "عابد" بسخونة شديدة في فروة رأسه .. كأن الدماء المندفعة إلى رأسه وصلت إلى درجة الغليان .. كان يسمع هذا الكلام لأول مرة .. على الرغم من كل الكتب التي قرأها في حياته .. لم يقرأ أبدا عن هذا الأمر في أي كتاب ..
وكأن صديقه قرأ ما يجول بخاطره .. فقال له :
" ماذا ؟؟ هل فاجأك كلامي ؟؟ "
رد عابد :
" نعم .. لا أجد ما أرد به عليك .. ولكن إذا كان الأمر كذلك .. فلماذا يوافق الجن على دخول أي شخص إلى داخل المقبرة ؟ "
رد الصديق :
لأنهم كما قلت لك يعتقدون أن أي شخص من الممكن أن يعرف التعويذة التي تطلق أسيرهم ... ولكن عندما يتأكدون من عجزه عن ذلك فإنهم ببساطة يقتلونه "
قال عابد :
" وما فائدة الزئبق الأحمر للإنسان إذا كان وراءه الموت المحقق ؟ "
رد الصديق :
" إذا وقعت هذه المادة بين يدي شخص يعرف التعويذة المعاكسة .. أو له صلة بأحد يعرف هذه التعويذة فإنه يطلب من الجن المصاحب للزجاجة أن يفدوا أسيرهم .. بأي كم من الأموال .. التي – من كثرتها – تنهمر على رؤوس الموجودين في الجلسة .. بلا انقطاع "
قال عابد :
" ولكن ماذا يحدث إذا لم يتمكن الشخص من فك الأسير أو مثلا كسرت الزجاجة أو فتحت دون تلاوة التعويذة المضادة عليها .. ؟ "
رد الصديق :
" في هذه الحالة يموت الأسير ويضيع انتظار عائلته من الجن لآلاف السنين هباء .. وهنا لابد وأن يكون انتقامهم من البشر كبيرا "
قال له عابد :
" ولماذا لا تستفيد أنت من هذا الزئبق الأحمر فتجعل الجن يأتي لك بالأموال الطائلة التي تريدها بدلا من بيعه لشخص آخر ؟ "
رد الصديق :
" كنت أتمنى هذا ولكن المشكلة أني لا أعرف التعويذة الملائمة لتحرير الأسير .. ولا أعرف أحدا يعرفها "
رد عابد :
" وإذا وجدنا أحدا يعرف هذه التعويذة ألا يكون من الأفضل لنا أن نأخذ هذا المال ؟ "
رد الصديق :
" بالطبع أفضل لنا أن نأخذ هذا المال ولكن هل تعرف أنت أحد الشيوخ ؟ "
تذكر عابد أحد ضيوف الفندق ، وأخبره عنه .. كان شيخا مغربيا واضح من هيئته أنه يعمل في هذا المجال .
استمر حديثهم لفترة طويلة واتفقا على انتظار هذا الشيخ الذي كان يأتي في أوقات متقاربة ومحاولة فتح الموضوع معه على أمل أن يسألهم عن الأمر فيساوموه عليه إذا كان يشتريه أو يساعدهم في تحرير الجن وأخذ المزيد من المال ...
بدأ الأمر معه بالصدفة البحتة .... عندما همس في أذنه أحد أصدقائه ... بأن لديه شيئا ثمينا يهم بعض السائحين العرب ... الذين تربطه بهم علاقات قوية في الفندق ذو الأربعة نجوم الذي يعمل به بمدينة أسوان .. وقال له أن عمولته في هذه المسألة سوف تصل لعدة ملايين من الجنيهات ..
وصل إلى ال...كافيتيريا التي اتفقا على المقابلة فيها .. وجد صديقه قد سبقه إلى هناك مما أعطاه الإحساس بأن هذا الصديق متلهف على إنهاء هذا الأمر ..
في البداية .. لم يصرح له الصديق بطبيعة ذلك الشيء الثمين .. قال له :
" لا أستطيع أن أخبرك عن هذا الشيء .. لكني أريدك لأن تبحث عن شخص تحس أن لديه أموالا طائلة يمكن أن يدفعها لشرائه . "
رد عليه قائلا :
" وكيف أبحث عن مشتر لشيء أنا نفسي لا أعرف ما هو ؟ لا بد أن تخبرني عن طبيعة ما معك .... هل معك قطعة أثرية من أيام الفراعنة وتريد لها مشتر ؟؟ "
وبعد إلحاح كبير منه ومحاولة إقناع الصديق بأنه لن يستطيع مساعدته ما لم يصارحه .. قالها له بانفعال شديد .. :
" زئبق أحمر .. معي خمسة جرامات كاملة من الزئبق الأحمر .. أعطاها لي صديق لا يود أن يعرفه أحد لأبيعها له واقتسم ثمنها معه "
لم يفهم سر انفعاله الشديد .. لم يفهم أصلا ما هو الزئبق الأحمر ولا ما هى فائدته لأي شخص خاصة السائحين العرب ..
قال له :
" ومن أين أتى هذا الصديق بهذا الزئبق .. "
رد قائلا :
" لقد وجده عندما كان ينقب أسفل منزله عن مقبرة أثرية .. وجدها بداخل المومياء التي كانت في المقبرة . "
سأل صديقه :
" وما هو الزئبق الأحمر ؟ "
نظر له صديقه بحذر وشك .. وقال له :
" هل أنت جاد في سؤالك هذا .. أم أنك تريد نسبة أكبر من النسبة المتعارف عليها ؟؟؟ "
أجاب :
" لا ... أنا جاد في هذا السؤال .. ما هو الزئبق الأحمر ؟ لقد سمعت عنه وقرأت في شبكة الانترنت على هذه المادة . أليست هى المادة التي سمعنا عنها في الأفلام ... والتي يسعى وراءها العجائز من الرجال لتعيد لهم قوتهم وشبابهم الضائع .
وما أهميته للناس .. وقد اخترع لنا العلم عشرات الأدوية التي تعيد الشباب والرجولة ؟ أم أن للأمر علاقة بصناعة القنبلة النووية مثلا ؟ لو كان كذلك فإني أشك أن خمسة جرامات ستكفي لصنع قنبلة من أي حجم .. "
وأخذ يضحك من الأمر .. لكنه فوجىء بتجهم صديقه بطريقة تدل على جدية الموضوع ..
بدأ الأمر يتضح شيئا فشيئا مع توضيحات صديقه ... اكتشف أنه لم يكن يعيش في هذا العالم الغامض المليء بالمتناقضات .. والذي كان على وشك دخوله من أوسع أبوابه .
قال صديقه :
" الزئبق الأحمر هو مادة لا علاقة لها بكل ما تقول .. إنها ماده أثمن ملايين المرات من ذلك .. إن الجرام الواحد منها يباع بمليون دولار ... ؟ "
رد بذهول :
" ماذا ؟ الجرام بمليون دولار .. لماذا ؟ "
رد الصديق :
" إن ما سأقوله لك الآن شيء في غاية السرية .. لا يعرفه إلا عدد قليل من الناس في عصرنا الحالي .. وأهميته ترجع إلى أن كل دولار سيدفع في سبيل شراء هذه المادة سيعود إلى المشتري أضعافا مضاعفة خلال فترة وجيزة .. "
عندما لمح الصديق علامات الحيرة على وجهه قال له :
" أنت تعرف أن قدماء المصريين كانوا يحنطون موتاهم ويدفنونهم .... ويدفنون معهم كل ما يتعلق بهم من أموال وأوان وأشياء تساعدهم على الحياة في العالم الآخر .. "
قال :
" هذه حقيقة معروفة لا يوجد فيها شيء جديد "
قال الصديق :
" نعم ... ولكن كان القدماء يدفنون أيضا مع الأغنياء والملوك أواني ذهبية وكنوز لا تقدر بالمال .. كيف تتوقع أنهم كانوا يحرسون تلك المقابر التي أقاموها لتعيش آلاف السنين .. ؟ "
رد قائلا :
" لا أعرف .. ربما كانوا يضعون عليها الحراس جيلا بعد جيل "
قال الصديق :
لا ... لقد كانوا يضعون عليها حراسة أشد بكثير من حراسة البشر !!! كانوا يضعون عليها حراسة من الجن ... أنت تعرف أن القدماء المصريين كانوا بارعين في التنجيم والسحر ... وكانت لديهم معلومات لم يصل إليها البشر حتى هذه اللحظة ... ومن ضمن هذه المعلومات ... أنهم كانوا يعرفون كيف يسخرون الجن لفعل أشياء لا يمكن أن يقوم بها بشر .. "
سكت الصديق قليلا ليرى رد فعل كلماته على صديقه .. ثم أكمل حديثه قائلا :
" أنت تعرف أن الجن يعمر لآلاف السنين .. وأن لديه المقدرة على الاختفاء عن عيون البشر ... ولديه المقدرة على التجسد في أي شكل .... فإذا تم استخدامه بواسطة تعويذة لحراسة مكان ما فإنه يستطيع أن يحمي هذا المكان ولا يسمح لأحد بالاقتراب منه مهما كان ... إلا من يستطيع عكس تعويذة السحر التي غالبا ما كان يضعها كبير كهنة المعبد الذي يقوم بتحنيط الجثة .. ولكن هل تعرف كيف كان يقوم الكاهن بعمل تعويذة لتسخير الجن لحراسة المقبرة تستمر آلاف السنين ولا يستطيع أحد أن يتغلب عليها بسهولة ؟ "
نظر إليه بشغف وقال :
" لا .. لا أعرف عن هذا الأمر شيئا . "
رد الصديق :
" لقد كان الكاهن - والذي لا بد أن يكون متمكنا جدا في هذا الأمر ؛ حتى لا يضر نفسه ومن حوله - كان يقوم بوسيلة ما بأسر أحد أفراد الجن .. ثم يقوم بحبسه داخل بعض جرامات ضئيلة من الزئبق الأحمر ... ويضعه داخل زجاجة صغيرة لا تلفت النظر ... موضوعة بعناية داخل طيات لفائف الكتاب التي تلف بها الجثة المحنطة .. أو داخل تجويف فم الجثة وكان ذلك يكلف أهل الميت أموالا طائلة ... لهذا لم تكن تلك الطريقة تستخدم مع كل الموتى .. فقط من يملكون المال الكافي لذلك .. وهذا هو سر ندرة مادة الزئبق الأحمر .. لأنها لم تكن موجودة في كل مقابر الفراعنة .. بل فقط في مقابر الصفوة من الذين يملكون المال .. لماذا كانوا في رأيك ينتظرون أربعين يوما على الميت ما بين الوفاة والدفن .. ؟ "
قال بثقة زائفة :
" لأن هذه هى المدة المطلوبة لتحضير الميت وتكفينه بطريقه مناسبة للاحتفاظ به سليما أطول مدة ممكنة .. وهكذا وصلتنا مومياوات عمرها أربعة آلاف عام "
قال الصديق :
" لا .. ليس الأمر كذلك .. بل لأن هذه هى المدة التي يحتاجها الكاهن حتى يقوم بعمل تعويذاته لاستدعاء الجن وأسره داخل تلك الزجاجة الموجود بها الزئبق الأحمر .. "
سكت الصديق فترة من الوقت حتى يرى رد الفعل على وجه صديقه ثم قال :
" هل تعرف فائدة أسر هذا الفرد من الجن ووضعه داخل المقبرة ؟ "
رد وهو يحس بأنه لا يعلم شيئا على الإطلاق :
" لا .. ما هى الفائدة ؟ "
أجاب الصديق :
" الفائدة .. أن باقي أفراد أسرة الجن يقومون بحراسة أسيرهم إلى الأبد في تلك الزجاجة الصغيرة ... ومعها كل شيء داخل المقبرة ، بما في ذلك الكنوز والجثة وكل ما تحتويه المقبرة ؟ "
" هل سمعت يوما عن لعنة الفراعنة ؟ "
رد قائلا :
" بالطبع سمعت عنها ولكن معظم علماء الآثار كذبوها "
قال الصديق :
" كذبوها لأنها لم تكن موجودة في كل المقابر التي فتحوها .. كانت موجودة فقط في مقابر الملوك والعظماء مثل مقبرة توت عنخ آمون .. إن لعنة الفراعنة .. هى وجود مئات من أفراد الجن تحرس المقبرة .. ينتظرون ليعرفوا إذا ما كان مقتحمي المقبرة يستطيعون تحرير أسيرهم بتعويذة مضادة أم لا ، فإذا لم يستطيعوا ذلك قام أحد أفراد الجن بتعقب كل فرد دخل المقبرة حتى لو ذهب إلى بلاده في آخر العالم .. ومن هنا كانت الظروف الغريبة التي توفي فيها كل من دخل مقبرة توت عنخ آمون ، بما في ذلك الكلب الخاص بهوارد كارتر مكتشف المقبرة .. الجميع مات في ظروف غامضة وفي توقيتات متقاربة .. وبدون أي تفسير .. أتعلم لماذا ؟ لأن الجن تعقبهم إلى حيث استطاع القضاء عليهم بعد أن تأكد أنهم لن يستطيعوا إعادة أسيرهم ولا فك أسره .. وبعد أن تأكدوا من أنهم لا يعرفون أي تعويذة مضادة لتعويذة الكاهن الذي قام بأسر أحد أفراد أسرتهم .. "
عقدت الدهشة لسانه .. ولأول مرة بدأعقله يعمل ويفكر في جدية هذا الأمر .. إن الكلام الذي يسمعه كلام منطقي من الممكن تصديقه .. ولم لا الفراعنة قد توصلوا إلى أسرار لم يتوصل إليها علماء القرن الواحد والعشرين بعد .. ربما لأن الفراعنة كانوا يتعاملون مع عالم آخر ، غير العالم المادي الذي يتعامل معه علماء القرن الحالي ... لم نسمع قط عن عالم يتحدث عن قدرة الجن على عمل أي شيء ، بل إن العلم الحديث يرفض تصديق وجود أشياء غير منطورة قادرة على التفكير والحركة ولها حياة مثلنا .. قال لصديقه :
" ولكن الزئبق الأحمر معروف عالميا ... وهو مادة مخلقة حديثة تستخدم في صناعة القنبلة النووية .. "
أخذ يفكر في كل الأبحاث التي قرأ عنها في الكتب وفي الانترنت .. وتتحدث جميعها عن مادة الزئبق الأحمر التي تستخدم في صناعة القنابل النووية .
انتبه على صوت صديقه وهو يستأنف حديثه ويقول له :
" لا هذا كلام غير دقيق .. إن الزئبق الأحمر الذي نتحدث عنه يختلف تماما عن كل المواد الموجدة في العالم سواء طبيعية أو صناعية .. تختلف اختلافا وحيدا جوهريا لا يمكن لأحد غير خبير بهذا الأمر أن يعرفه .. "
قال بلهفة :
" وما هو هذا الاختلاف ؟ "
رد الصديق :
" ببساطة الزئبق الأحمر سائل حي ... "
قال بدهشة كبيرة :
" ماذا ؟ ما معنى سائل حي .. ؟ "
رد الصديق :
" هناك اختبار يقوم به من يعرف طبيعة هذه المادة .. ليعرف هل الزئبق الموجود بالزجاجة أصلي أم مخلق .. ويمكن للإنسان العادي أن يرى الزئبق ينبض إذا نظر إلى الزجاجة بتركيز في ضوء القمر ليلة تمامه "
أحس "عابد" بسخونة شديدة في فروة رأسه .. كأن الدماء المندفعة إلى رأسه وصلت إلى درجة الغليان .. كان يسمع هذا الكلام لأول مرة .. على الرغم من كل الكتب التي قرأها في حياته .. لم يقرأ أبدا عن هذا الأمر في أي كتاب ..
وكأن صديقه قرأ ما يجول بخاطره .. فقال له :
" ماذا ؟؟ هل فاجأك كلامي ؟؟ "
رد عابد :
" نعم .. لا أجد ما أرد به عليك .. ولكن إذا كان الأمر كذلك .. فلماذا يوافق الجن على دخول أي شخص إلى داخل المقبرة ؟ "
رد الصديق :
لأنهم كما قلت لك يعتقدون أن أي شخص من الممكن أن يعرف التعويذة التي تطلق أسيرهم ... ولكن عندما يتأكدون من عجزه عن ذلك فإنهم ببساطة يقتلونه "
قال عابد :
" وما فائدة الزئبق الأحمر للإنسان إذا كان وراءه الموت المحقق ؟ "
رد الصديق :
" إذا وقعت هذه المادة بين يدي شخص يعرف التعويذة المعاكسة .. أو له صلة بأحد يعرف هذه التعويذة فإنه يطلب من الجن المصاحب للزجاجة أن يفدوا أسيرهم .. بأي كم من الأموال .. التي – من كثرتها – تنهمر على رؤوس الموجودين في الجلسة .. بلا انقطاع "
قال عابد :
" ولكن ماذا يحدث إذا لم يتمكن الشخص من فك الأسير أو مثلا كسرت الزجاجة أو فتحت دون تلاوة التعويذة المضادة عليها .. ؟ "
رد الصديق :
" في هذه الحالة يموت الأسير ويضيع انتظار عائلته من الجن لآلاف السنين هباء .. وهنا لابد وأن يكون انتقامهم من البشر كبيرا "
قال له عابد :
" ولماذا لا تستفيد أنت من هذا الزئبق الأحمر فتجعل الجن يأتي لك بالأموال الطائلة التي تريدها بدلا من بيعه لشخص آخر ؟ "
رد الصديق :
" كنت أتمنى هذا ولكن المشكلة أني لا أعرف التعويذة الملائمة لتحرير الأسير .. ولا أعرف أحدا يعرفها "
رد عابد :
" وإذا وجدنا أحدا يعرف هذه التعويذة ألا يكون من الأفضل لنا أن نأخذ هذا المال ؟ "
رد الصديق :
" بالطبع أفضل لنا أن نأخذ هذا المال ولكن هل تعرف أنت أحد الشيوخ ؟ "
تذكر عابد أحد ضيوف الفندق ، وأخبره عنه .. كان شيخا مغربيا واضح من هيئته أنه يعمل في هذا المجال .
استمر حديثهم لفترة طويلة واتفقا على انتظار هذا الشيخ الذي كان يأتي في أوقات متقاربة ومحاولة فتح الموضوع معه على أمل أن يسألهم عن الأمر فيساوموه عليه إذا كان يشتريه أو يساعدهم في تحرير الجن وأخذ المزيد من المال ...
بعد عدة أيام اتصل بصديقه مهللا .. "
" لقد أتى .. أخيرا أتى .. تعال بسرعة حتى نتحدث معه . "
جاء الصديق بسرعة واتصلا بالشيخ وأخذا معه موعدا لأمر هام .. وفي مطعم الفندق .. جلس الثلاثة يشربون الشاي الأسود الصعيدي وهم يتحدثون بحذر ....
قدم عابد صديقه وأخذ يسأله عن طبيعة عمله متعللا بأنه يبحث عن شيخ يعرف كيفية إخراج الجن من أجساد البشر .. لأن لدى صديقه أخت قد لبسها أحد الجن وأنهم على استعداد لدفع أي مبلغ من المال يطلبه الشيخ .
لكن الشيخ أحس من كلامهما أنهما يريدان أن يقولا شيئا آخر غير ذلك ، فسألهما فجأة :
" ماذا لديكما تريدان عرضه علي ؟ "
بهت عابد وصديقه ثم همس عابد بهدوء :
" زئبق أحمر .. هل تعرفه ؟ "
أجاب الشيخ :
" بالطبع كم جراما لديكما ؟ "
أجاب عابد :
" خمس جرامات "
رد الشيخ :
" أريد أن أكشف عليها .. "
قال الصديق :
" ليس قبل أنت نتفق على السعر .. "
قال الشيخ :
" السعر معروف الجرام مليوم أخضر .. "
قال عابد :
" ولكن ألا يمكن أن نستفيد نحن من الزئبق ونأخذ الأموال لأنفسنا نحن الثلاثة ؟ "
رد الشيخ :
" لا .. أنا غير مسموح لي أن آخذ من هذه الأموال شيئا أنا الوسيط .. والوسيط إذا أخذ من المال فإن المال يتحول بين يديه إلى مجرد أوراق بيضاء لا قيمة لها .. إذا استطعتم أن تعطوني مليوني دولار فإني سوف آتي لكما بالمال الذي تريدانه .. "
ثم أضاف :
" وهناك أيضا مصاريف أخرى لازمة لهذا الأمر .. لأن الجن مخادع .. يأتي بالمال في صورة أوراق سوداء غير قابلة للاستخدام .. حتى يتم فك الأسير .. ويلزم لإعادة المال إلى صورته نوع معين من الزيت يسمى الزيت المبارك .. وهو غير موجود إلا في إيران فقط ، ولا أحد في العالم يعلم طبيعة هذا الزيت ولا مم يصنع .. كل ما نعرفه أنه زيت نادر يتم القراءة عليه بآيات معينه غير موجودة في مصحف عثمان الذي يستخدمه المسلمين في جميع أنحاء العالم بل بآيات من مصحف السيدة فاطمة غير معروفة سوى لعدد قليل من أفراد الشيعة .. وهذه هى الطريقة الوحيدة لإعادة المال إلى حالته الطبيعية حتى يستفيد منه البشر .. وهذه القراءة تتم أثناء استخراج الجن من الزئبق .. حتى تحضر بعض أفراد الملائكة لتضع حدا لألاعيب الجن معنا فلا يأخذون أموالهم مرة أخرى ويؤذوننا بعد أن نخرج لهم أسيرهم .. وهذا الزيت سوف يتكلف عدة ملايين من الدولارات أيضا .. "
صمت الصديقان وهما يفكران بالأمر .. لقد جعل الشيخ استفادتهم من الزئبق الأحمر مستحيلة .. لكنها في نفس الوقت عرفا أن من سيشتري هذا الزئبق سوف يحصل على أموال أكبر بكثير من المبلغ الكبير الذي جاء ذكره في الحديث ..
" ما كل هذه الملايين من الدولارات التي تحدث عنها ؟ .. وكم سيأخذ الذي سيستفيد من الزئبق إذن .. ؟ وإذا كان هناك شخص لديه كل هذه الملايين من الدولارات فلماذا يرغب في المزيد إذن من عمليه خطرة بل وشديدة الخطورة مثل هذه ؟ "
كل هذه الأسئلة راحا يتحدثان في إجابتها وهما في طريقهما إلى حجرة الشيخ لمقابلته للمرة الثانية لإعطائه الزئبق وأخذ المال ..
لقد طلبا منه أن يعطيهما المال مرة واحدة حتى لا تشك فيهما الشرطة .. من أين لهما هذا المبلغ الكبير .. واتفقا على اللقاء في حجرة الشيخ في الطابق الحادي عشر في الفندق ذا النجوم الأربعة في مدينة أسوان .. في الليلة التي يتم فيها البدر حتى يستطيع أن يتأكد من صحة الزئبق الموجود معهما وأنه فعلا حي ينبض .
في الموعد المحدد توجه الصديقان إلى هناك وهما يمنيان النفس بالمال والثروة والمستقبل الذي لا مثيل له .. ولم لا والمادة التي تجلب المال في أيديهما والشيخ ينتظر .. بينما جلس صديقهما الثالث والذي وجد الزئبق في المومياء التي كانت أسفل منزله في مقهى قريب من الفندق في انتظار نتيجة المقابلة .
عند وصولهما وجداه ينتظرهما ..
قدم لهما بعض العصير الذي أخرجه من ثلاجة الفندق .. وفتحه أمامهما ..
وبعد أن شرب الثلاثة العصير .... أخذ منهما الزجاجة الشفافة ومسحها بعناية بسائل أخضر اللون .. وأخذ يردد بعض الكلمات الغامضة عليها وهو يديرها عكس عقارب الساعة سبع مرات ثم في اتجاه عقارب الساعة سبع مرات .. ثم وقف أمام النافذة وأخذ يحدق فيها في حين قام كلا من عابد وصديقه ليقفا خلفه .. ليشاهدا ماذا يرى .
وعقدت الدهشة ألسنتهما حينما وجدا السائل الأحمر السميك الموجود في الزجاجة يتكور على نفسه مثل كرة صغيرة من المطاط ويبدأ في النبض مثل قلب صغير وهو يتوهج بلون أحمر داكن لم يشاهدا له مثيلا من قبل .
قال عابد بصوت لاهث متقطع الأنفاس :
" ما .... ما الذي يحدث فيه ؟ "
رد الشيخ وهو يبتسم ابتسامه خبيثة :
" نعم .. نعم .. هذا أصلي .. هذا الزئبق حي .. ومن كميته أستطيع أن أقول إن الجن الأسير فيه أحد كبار أسرته .. إن الجن سوف يدفع مبالغا طائلة في أسيرهم هذا .. وسوف تكون عمولتي منها كبيرة جدا "
ثم أطلق الشيخ ضحكة شيطانية وهو يكمل حديثه قائلا :
" ولكن للأسف لن أسمح لهاويين مثلكما بمشاركتي في هذه العمولة "
هنا أدرك عابد الفخ الذي وقعا فيه .. حين بدأت رأسه تدور وأحس أنه على وشك السقوط على أرض الغرفة .. عرف أن الشيخ قد دس لهما المخدر في العصير الذي خدعهما به ..
نظر إلى صديقه فوجده يهز رأسه يمينا وشمالا بطريقة مثيرة للشفقة كأنه غير مصدق لما يحدث ..
هجم عابد على الشيخ ليأخذ منه الزجاجة .. لكنه لم يقدر المسافة بينه وبين الشيخ لإحساسه بالدوار .. كان الشيخ مازال يتأمل في الزجاجة بإعجاب رافعا إياها على ضوء القمر .. سقطت الزجاجة على أرض الحجرة محدثه دويا عاليا نتيجة انكسارها .. نظر الشيخ إلى الزجاجة بفزع وصدرت منه صرخة رعب عالية .. تضاعف صداها في رأس الصديقين المخدرين .. نظر الجميع برعب إلى السائل الأحمر السميك الذي كان ينبض منذ لحظات بين يدي الشيخ .. والآن بدأ يزحف ببط على الأرض ... ويتفتت إلى مئات النقط الصغيرة التي تجري في كل مكان وهى تتبخر إلى الهواء .. بعد عدة لحظات كان مكان كل نقطة حمراء يقف رجل شديد الضخامة شديد سواد اللون .. كثيف الشعر كأنه شيطان .. كانوا جيمعا ينظرون إلى البشر الثلاثة الذين تسببوا في فقدانهم لأسيرهم .. كانوا ينظرون إليهم نظرات مرعبة .. تجمد لها الدم في عروقهم ,, نفخ أحدهم بصوت مسموع نفخة واحدة في الحجرة التي تحولت إلى كتلة من النار تحيط بهم جميعا.. فتح عابد فمه ليصرخ لكنه لم يجد صوته ليستغيث ..
أتت النيران على الفندق بأكمله ... ليلة كاملة حاول جنود المطافيء فيها السيطرة على النيران دون فائدة .. كانت النيران كأنها تحاورهم كلما أخمدوها في مكان عادت واشتعلت فيه من جديد .. وكأنها مصممة على تدمير المكان بأكمله .
ومن الغريب أن هنا شخص آخر احترق في تلك الليلة أيضا دون أي سبب واضح .. اتضح فيما بعد أنه صديق لأحد ضحايا الحادث لكن الغريب في الأمر أنه كان يجلس في أحد المقاهي وحده ، عندما اشتعلت النيران فيه فجأة دون سبب ... وحاول رواد المقهى إخماد النيران لكنها لم تكن نيرانا عادية بل كأنها ترفض أن تخمد .. استمرت مشتعلة فيه حتى تفحم تماما !!
في تقرير المعمل الجنائي .. تم تحديد مصدر النيران من الدور الحادي عشر وتحديدا من حجرة أحد الشيوخ المغاربة .. لكن لم يتم تحديد السبب وراء الحريق هل هو ماس كهربائي أم سائل حارق أم انفجار موقد ؟!! ..
لم يكن أي شيء معروفا على الإطلاق .. لكن النتيجة أن هناك خسائر بشرية كبيرة وخسائر مادية أكبر .. ولكن كيف كانت الشرطة ستعرف ما حدث ؟
" لقد أتى .. أخيرا أتى .. تعال بسرعة حتى نتحدث معه . "
جاء الصديق بسرعة واتصلا بالشيخ وأخذا معه موعدا لأمر هام .. وفي مطعم الفندق .. جلس الثلاثة يشربون الشاي الأسود الصعيدي وهم يتحدثون بحذر ....
قدم عابد صديقه وأخذ يسأله عن طبيعة عمله متعللا بأنه يبحث عن شيخ يعرف كيفية إخراج الجن من أجساد البشر .. لأن لدى صديقه أخت قد لبسها أحد الجن وأنهم على استعداد لدفع أي مبلغ من المال يطلبه الشيخ .
لكن الشيخ أحس من كلامهما أنهما يريدان أن يقولا شيئا آخر غير ذلك ، فسألهما فجأة :
" ماذا لديكما تريدان عرضه علي ؟ "
بهت عابد وصديقه ثم همس عابد بهدوء :
" زئبق أحمر .. هل تعرفه ؟ "
أجاب الشيخ :
" بالطبع كم جراما لديكما ؟ "
أجاب عابد :
" خمس جرامات "
رد الشيخ :
" أريد أن أكشف عليها .. "
قال الصديق :
" ليس قبل أنت نتفق على السعر .. "
قال الشيخ :
" السعر معروف الجرام مليوم أخضر .. "
قال عابد :
" ولكن ألا يمكن أن نستفيد نحن من الزئبق ونأخذ الأموال لأنفسنا نحن الثلاثة ؟ "
رد الشيخ :
" لا .. أنا غير مسموح لي أن آخذ من هذه الأموال شيئا أنا الوسيط .. والوسيط إذا أخذ من المال فإن المال يتحول بين يديه إلى مجرد أوراق بيضاء لا قيمة لها .. إذا استطعتم أن تعطوني مليوني دولار فإني سوف آتي لكما بالمال الذي تريدانه .. "
ثم أضاف :
" وهناك أيضا مصاريف أخرى لازمة لهذا الأمر .. لأن الجن مخادع .. يأتي بالمال في صورة أوراق سوداء غير قابلة للاستخدام .. حتى يتم فك الأسير .. ويلزم لإعادة المال إلى صورته نوع معين من الزيت يسمى الزيت المبارك .. وهو غير موجود إلا في إيران فقط ، ولا أحد في العالم يعلم طبيعة هذا الزيت ولا مم يصنع .. كل ما نعرفه أنه زيت نادر يتم القراءة عليه بآيات معينه غير موجودة في مصحف عثمان الذي يستخدمه المسلمين في جميع أنحاء العالم بل بآيات من مصحف السيدة فاطمة غير معروفة سوى لعدد قليل من أفراد الشيعة .. وهذه هى الطريقة الوحيدة لإعادة المال إلى حالته الطبيعية حتى يستفيد منه البشر .. وهذه القراءة تتم أثناء استخراج الجن من الزئبق .. حتى تحضر بعض أفراد الملائكة لتضع حدا لألاعيب الجن معنا فلا يأخذون أموالهم مرة أخرى ويؤذوننا بعد أن نخرج لهم أسيرهم .. وهذا الزيت سوف يتكلف عدة ملايين من الدولارات أيضا .. "
صمت الصديقان وهما يفكران بالأمر .. لقد جعل الشيخ استفادتهم من الزئبق الأحمر مستحيلة .. لكنها في نفس الوقت عرفا أن من سيشتري هذا الزئبق سوف يحصل على أموال أكبر بكثير من المبلغ الكبير الذي جاء ذكره في الحديث ..
" ما كل هذه الملايين من الدولارات التي تحدث عنها ؟ .. وكم سيأخذ الذي سيستفيد من الزئبق إذن .. ؟ وإذا كان هناك شخص لديه كل هذه الملايين من الدولارات فلماذا يرغب في المزيد إذن من عمليه خطرة بل وشديدة الخطورة مثل هذه ؟ "
كل هذه الأسئلة راحا يتحدثان في إجابتها وهما في طريقهما إلى حجرة الشيخ لمقابلته للمرة الثانية لإعطائه الزئبق وأخذ المال ..
لقد طلبا منه أن يعطيهما المال مرة واحدة حتى لا تشك فيهما الشرطة .. من أين لهما هذا المبلغ الكبير .. واتفقا على اللقاء في حجرة الشيخ في الطابق الحادي عشر في الفندق ذا النجوم الأربعة في مدينة أسوان .. في الليلة التي يتم فيها البدر حتى يستطيع أن يتأكد من صحة الزئبق الموجود معهما وأنه فعلا حي ينبض .
في الموعد المحدد توجه الصديقان إلى هناك وهما يمنيان النفس بالمال والثروة والمستقبل الذي لا مثيل له .. ولم لا والمادة التي تجلب المال في أيديهما والشيخ ينتظر .. بينما جلس صديقهما الثالث والذي وجد الزئبق في المومياء التي كانت أسفل منزله في مقهى قريب من الفندق في انتظار نتيجة المقابلة .
عند وصولهما وجداه ينتظرهما ..
قدم لهما بعض العصير الذي أخرجه من ثلاجة الفندق .. وفتحه أمامهما ..
وبعد أن شرب الثلاثة العصير .... أخذ منهما الزجاجة الشفافة ومسحها بعناية بسائل أخضر اللون .. وأخذ يردد بعض الكلمات الغامضة عليها وهو يديرها عكس عقارب الساعة سبع مرات ثم في اتجاه عقارب الساعة سبع مرات .. ثم وقف أمام النافذة وأخذ يحدق فيها في حين قام كلا من عابد وصديقه ليقفا خلفه .. ليشاهدا ماذا يرى .
وعقدت الدهشة ألسنتهما حينما وجدا السائل الأحمر السميك الموجود في الزجاجة يتكور على نفسه مثل كرة صغيرة من المطاط ويبدأ في النبض مثل قلب صغير وهو يتوهج بلون أحمر داكن لم يشاهدا له مثيلا من قبل .
قال عابد بصوت لاهث متقطع الأنفاس :
" ما .... ما الذي يحدث فيه ؟ "
رد الشيخ وهو يبتسم ابتسامه خبيثة :
" نعم .. نعم .. هذا أصلي .. هذا الزئبق حي .. ومن كميته أستطيع أن أقول إن الجن الأسير فيه أحد كبار أسرته .. إن الجن سوف يدفع مبالغا طائلة في أسيرهم هذا .. وسوف تكون عمولتي منها كبيرة جدا "
ثم أطلق الشيخ ضحكة شيطانية وهو يكمل حديثه قائلا :
" ولكن للأسف لن أسمح لهاويين مثلكما بمشاركتي في هذه العمولة "
هنا أدرك عابد الفخ الذي وقعا فيه .. حين بدأت رأسه تدور وأحس أنه على وشك السقوط على أرض الغرفة .. عرف أن الشيخ قد دس لهما المخدر في العصير الذي خدعهما به ..
نظر إلى صديقه فوجده يهز رأسه يمينا وشمالا بطريقة مثيرة للشفقة كأنه غير مصدق لما يحدث ..
هجم عابد على الشيخ ليأخذ منه الزجاجة .. لكنه لم يقدر المسافة بينه وبين الشيخ لإحساسه بالدوار .. كان الشيخ مازال يتأمل في الزجاجة بإعجاب رافعا إياها على ضوء القمر .. سقطت الزجاجة على أرض الحجرة محدثه دويا عاليا نتيجة انكسارها .. نظر الشيخ إلى الزجاجة بفزع وصدرت منه صرخة رعب عالية .. تضاعف صداها في رأس الصديقين المخدرين .. نظر الجميع برعب إلى السائل الأحمر السميك الذي كان ينبض منذ لحظات بين يدي الشيخ .. والآن بدأ يزحف ببط على الأرض ... ويتفتت إلى مئات النقط الصغيرة التي تجري في كل مكان وهى تتبخر إلى الهواء .. بعد عدة لحظات كان مكان كل نقطة حمراء يقف رجل شديد الضخامة شديد سواد اللون .. كثيف الشعر كأنه شيطان .. كانوا جيمعا ينظرون إلى البشر الثلاثة الذين تسببوا في فقدانهم لأسيرهم .. كانوا ينظرون إليهم نظرات مرعبة .. تجمد لها الدم في عروقهم ,, نفخ أحدهم بصوت مسموع نفخة واحدة في الحجرة التي تحولت إلى كتلة من النار تحيط بهم جميعا.. فتح عابد فمه ليصرخ لكنه لم يجد صوته ليستغيث ..
أتت النيران على الفندق بأكمله ... ليلة كاملة حاول جنود المطافيء فيها السيطرة على النيران دون فائدة .. كانت النيران كأنها تحاورهم كلما أخمدوها في مكان عادت واشتعلت فيه من جديد .. وكأنها مصممة على تدمير المكان بأكمله .
ومن الغريب أن هنا شخص آخر احترق في تلك الليلة أيضا دون أي سبب واضح .. اتضح فيما بعد أنه صديق لأحد ضحايا الحادث لكن الغريب في الأمر أنه كان يجلس في أحد المقاهي وحده ، عندما اشتعلت النيران فيه فجأة دون سبب ... وحاول رواد المقهى إخماد النيران لكنها لم تكن نيرانا عادية بل كأنها ترفض أن تخمد .. استمرت مشتعلة فيه حتى تفحم تماما !!
في تقرير المعمل الجنائي .. تم تحديد مصدر النيران من الدور الحادي عشر وتحديدا من حجرة أحد الشيوخ المغاربة .. لكن لم يتم تحديد السبب وراء الحريق هل هو ماس كهربائي أم سائل حارق أم انفجار موقد ؟!! ..
لم يكن أي شيء معروفا على الإطلاق .. لكن النتيجة أن هناك خسائر بشرية كبيرة وخسائر مادية أكبر .. ولكن كيف كانت الشرطة ستعرف ما حدث ؟
روعة شكرا
ردحذفمشوقة شكرا لكم D=
ردحذفمن الذي حكى القصه وكلهم ماااااااتو
ردحذف